يختبر كثير من الناس لحظات غريبة يرون فيها وجوهًا في السحب، أو مقابض الأبواب، أو واجهات المباني، أو حتى في الطعام. هذه الظاهرة ليست خيالًا ولا علامة على اضطراب نفسي، بل لها تفسير علمي واضح يُعرف باسم “الباريدوليا” (Pareidolia).
ما هي الباريدوليا؟
الباريدوليا هي ميل الدماغ البشري إلى التعرّف على أنماط مألوفة—خصوصًا الوجوه—داخل أشكال عشوائية أو غير مكتملة. وهي شكل خاص من “الاستدلال السريع” الذي يعتمد عليه الدماغ لفهم العالم من حوله بأسرع وقت ممكن.
لماذا الوجوه تحديدًا؟
الوجه البشري من أكثر الإشارات أهمية في حياتنا، لذلك يمتلك الدماغ نظامًا متخصصًا للتعرّف عليه، أبرزها:
منطقة التلفيف المغزلي (Fusiform Face Area – FFA) في الدماغ
هذه المنطقة تنشط فور رؤية أي ترتيب يشبه عينين وفمًا، حتى لو كان وهميًا
بمعنى آخر:
الدماغ يفضّل أن يخطئ برؤية وجه غير موجود، على أن يفشل في ملاحظة وجه حقيقي.
الجذور التطورية
من منظور تطوري، كان التعرّف السريع على الوجوه مسألة بقاء:
صديق أم عدو؟
شخص غاضب أم ودود؟
تهديد أم أمان؟
هذا “الإنذار المبكر” منح أسلافنا ميزة تطورية، حتى لو أدى أحيانًا إلى إنذارات كاذبة.
هل بعض الناس أكثر عرضة لها؟
نعم، تشير الدراسات إلى أن الباريدوليا تكون أكثر شيوعًا لدى:
الأشخاص ذوي الخيال الواسع أو الحس الإبداعي العالي
من يعانون القلق أو التعب (الدماغ يبحث عن أنماط لطمأنة نفسه)
الأطفال، لأن أدمغتهم ما زالت مرنة في تفسير الصور
أحيانًا لدى من يعانون اضطرابات عصبية، لكن هذا نادر
هل هي ظاهرة سلبية؟
غالبًا لا. في معظم الحالات:
هي طبيعية تمامًا
لا تدل على مرض نفسي
بل تُستخدم في الفن، التصميم، وحتى التسويق (الشعارات “التي تشبه الوجوه” تُعلَق بالذاكرة أسرع)
متى تستدعي القلق؟
فقط إذا كانت:
متكررة بشكل قهري
مصحوبة بهلاوس سمعية أو بصرية واضحة
تؤثر على الحكم على الواقع
عندها يكون من الأفضل استشارة مختص.
الخلاصة
رؤية الوجوه في كل شيء ليست ضعفًا في العقل، بل دليل على كفاءة مذهلة للدماغ البشري في التعرّف السريع على أهم الإشارات الاجتماعية. إنها بقايا ذكاء تطوري قديم، ما زال يعمل حتى اليوم… أحيانًا أكثر مما نحتاج.
